صناعة التقنيات المالية في المنطقة مقبلة على ثورة جديدة؟

 

تشهد صناعة الخدمات التقنية المالية حاليًا فترة ازدهار في مختلف أنحاء العالم، وخصوصًا في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة. قد يتساءل أحدهم حول كيفية وإمكانية تقليص المسافة في هذا المجال بيننا في المنطقة وبين كبار اللاعبين في الاقتصادات المتقدمة حول العالم. لإيجاد حل فعال لهذا التحدي، أرى أن علينا أن نتساءل أولًا: كيف هو وضع هذه الصناعة في وطننا العربي؟ ما هي الفرصة المتاحة أمامها للنمو والازدهار؟

من البديهي والواضح أن الفارق ليس بالصغير بيننا وبين الاقتصادات المتقدمة، حيث لا زالت بعض دولنا بحاجة لترتيب أوراقها في الجوانب الاقتصادية والقانونية، إضافة إلى تعزيز المتطلبات الاقتصادية لهذه الصناعة، من قبيل زيادة القدرة الشرائية، عدد المستهلكين القادرين على استخدام الإنترنت، وتوفير رؤوس الأموال. ولكن من البديهي أيضاً وجود تفاوت كبير ما بين الدول العربية، حيث نجد تفوّق واضح لدول الخليج على اخواتها. هذا ما أكدته دراسة اُجريت في عام ٢٠١٥، التي خرجت بتنبؤٍ تم ترجمته منذ حينها على ارض الواقع، ألا وهو إقلاع الصناعة في الخليج. وهذا ايضاً ما تؤكده مجلة فوربز عندما نشرت قائمة لأنجح ٢٠ مشروع صغير ومتوسط لخدمات التقنية المالية في المنطقة، حيث يقع ١٣ مشروع من ضمن القائمة هذه في دول الخليج.

تتميز دول الخليج بوفرة رأس المال فيها، وهذا ما يثبته مجموع الأموال التي تتداولها اقتصادات دول الخليج، وهو ما يربو على التريليون دولار. ولكن ما هو سبب التفاوت الكبير ما بين دول الخليج نفسها، بالرغم من تشابه اقتصاداتها؟ لنراجع قائمة فوربز ال٢٠ للمشاريع الناجحة مرة أخرى: نعم، تحوز دول الخليج على ١٣ منها، ولكن تتواجد اغلب هذه الشركات (أي ١٠ منها!) في الإمارات – أي الدولة التي يُقال بأنها  ذات البيئة الاقتصادية الأفضل للصناعة — ما يعني وجود حاجة ملحّة لدى بقية الدول للحّاق بها. تحاول دول الخليج معالجة وضع صناعاتها الناشئة في هذا المجال، كمبادرة فنتك السعودية، على سبيل المثال. كما توجد بوادر طيبة لتعزيز مستوى التعاون فيما بين هذه الدول، حيث فهذا قامت السعودية والإمارات، بخلق أرضية قانونية موحدة لتسهيل عملية التبادل التجاري الكترونياً. وتبدو محصلة مبادرات كالتي سلف ذكرها توقعات إيجابية حول مستقبل الصناعة، حيث تتكهن دراسة بضخ ما يضاهي ١٠ مليارات دولار خلال العقد القادم (مقارنة بمائة وخمسين مليون فقط في العقد الأخير).

لنراقب التطورات هذه عن كثب وما تمثله من استراتيجيات للنهضة بصناعة التقنية المالية بقيادة اقتصادات دول الخليج، ولنعمل من خلالها لوضع دولنا على خارطة العالم عبر إمكانيتها الهائلة، من رساميل طائلة وتشريعات بعيدة النظر وروح أبنائها وبناتها للإبتكار والإبداع.

نبذة عن الكاتب

محمود المحمود مترجم ومحرر في وكالة أنباء محلية. يتدرب في العلوم الاجتماعية والفنون ، ويستمتع بمواكبة الصحافة التجارية وتحليل اتجاهاتها.